السبت، 15 أبريل 2023

أنتم مُلك ما تسمعون وما تشاهدون وما تقرأون

لن تتصوّر مدى العمق الهائل لتأثير حواسّك على عقلك وقلبك وبالتالي تصرفاتك وشخصيّتك.

حين أقول "أنت مُلك ما تسمع" فأنا حقًّا أعني ذلك..

نوعية المؤثرات الخارجية تتفاوت في حجم تأثيرها، أتحداك مثلًا إن لم تشاهد في حياتك فيلمًا أثّر فيك تأثيرًا هائلًا.. إما أن يكون قد ألهمك بشدة للعبة مثلًا (كالكاراتيه أو كرة القدم) أو للكتابة أو للسفر حول العالم إلخ.. وإن كنت قارئًا أتحداك إن لم يؤثر فيك كتاب تأثيرًا ملموسًا أو غيّر في معتقداتك وأفكارك وأساليبك! بل وحتى المسموعات، الأغاني تؤثر.. القصص الصوتية والبودكاست وهلمّ جرًّا.. كل ذلك يُحدث تأثيرًا ولو بعد حين.. يتفاوت في القوة؛ لكنه بالنهاية يتمكن منك.

فكرة النسوية الآن مثلًا.. مالذي جعلها متغلغلة في مجتمعنا بالرغم من أنها لم تبدأ هنا ولا هي من طبيعتنا أو معتقداتنا أصلًا؟ كل هذا التأثير الذي يحدث لهذه الفكرة هو بسبب كثرة "المؤثرات الخارجية" من مقاطع وأفلام وصوتيات ومقالات وكتب تزرع هذا الخَبث في العقول والقلوب! كلما شاهدتِ فيلمًا يؤيد هذه القضية توغلت فيكِ أكثر.. ثم تقرأين لـ"نسوية قبيحة" كتابًا أو مقالًا أو تسمعين تسجيلًا صوتيًّا أو أو... فتلاحظين مع مرور الوقت أنك بدأت تتقبلين الفكرة.. ثم والعياذ بالله؛ تؤيدينها وربما تحاربين من أجلها! ولا تلومي أحدًا.. فأنتِ من ألقيتِ بنفسك بهذا الشَّرَك*.

وبالمقابل نأتي لفكرة الإيمان والالتزام والتديّن.. هل تعتقد أو تعتقدين أن إسراف وقتك في متابعة الأفلام والمسلسلات الأجنبية التي تدعو للتحرر وملذات الحياة بلا قيود.. وبالاستماع إلى الموسيقى والأغاني المليئة بالمشاعر المحرّمة والبعد عن الله والعشق الممنوع الخ.. وجلسات السهر المليئة بالسموم والكلام الخاطئ ومخالطة رفاق السوء أو رفاق "الدنيا" الذين لا يهمهم سوى الشيشة والأغاني والورق وحرية إظهار العورات.. أو الإكثار من الخروج إلى الأماكن العامة الجالبة للفتنة بين النساء الكاشفات المائلات المميلات والرجال أصحاب الشهوات القبيحة والنظرات الدنيئة...

هل تعتقد بأن كل هذا.. سيساعدك أصلًا على أن تحب دينك أو تفكّر في زيادة إيمانك؟ أنت تتوغل في جحيم وأنت لا تُدرك.. تظن أن متعتك الحسية ولهوك المؤقت سيجعلك في حرية وسعادة ومشاعر لانهائية من النعيم وسرور القلب.. لكنك بعيدٌ كل البعد.. كل البعد..! عن السعادة.

ومن الطبيعي جدًّا أن تقرأ كلامي هذا وتجده مبالغًا، وربما تقول (الله غفور رحيم) وأنت منغمسٌ في هول صنائعك دون خوف من (الله شديد العقاب)! كل هذا لأنك في الحقيقة متوغّلٌ في المؤثرات التي ذكرتُها دون أن تدرك حجم ما صنعت بك.. ولن تدرك ولن تفهم إلا حين تجرّب أن تغيّر المسار قليلًا.. تتزوّد من قراءة القرآن والسيرة النبوية والكتب الدينية ولو البسيطة، تشاهد محاضرات أو مقاطع دينية أو أفلام لقصص الصالحين، تخالط المتديّنين أو من "يخافون الله" حيث تجدهم في المساجد وفي دور التحفيظ.. جاهد نفسك قليلًا.. كن فضوليًّا لطريق السعادة الحقيقة! حينها ستجد قلبك شيئًا فشيئًا يميل إلى الفطرة.. يتعطّش أكثر للاقتراب.. يبحث بشكلٍ أعمق، وحين يرى الطمأنينة في هذا الطريق يتوقف.. ويبكي! أين أنا عن هذا منذ زمن طويل؟ أين أن عن هذه اللذة الحقيقية.

حين تشعر بأن فطرتك قد تغيرت.. وأنك تسير في طريقٍ لا يريحك.. وأنك تريد الرجوع لكنك لا تستطيع.. تشعر بأن هناك خطبًا ما.. لكنك لا تدري ما هو! حينها راجع نفسك.. ماذا تسمع؟ ماذا تشاهد؟ ماذا تقرأ؟ وابدأ من هنا.

انتبه لما تصبّه في هذه الحواس.. كن منتقيًا بحرص.. لأنك أنت من سيكون مسؤولًا عمّا سيؤول إليه حالك بعدها.


* أي: الفخ.

الاثنين، 10 أبريل 2023

لن نصل إلى الكمال أبدًا


حقيقة يرغب البعض في عدم تصديقها، والبعض الآخر يجدها حقيقة مريحة.

وبكل الأحوال.. فهذا هو الأمر! لن نصل إلى الكمال.. مطلقًا.

يُحزننا جدًّا أن نجد أنفسنا في مواسم العبادات طائعين مكثرين من الخيرات وصادّين كل الصد عن المنكرات غير راغبين بها ولا بتدنيس أيامنا الفضيلة فيها، ثم بعد هذه المواسم.. تعود ديمة لعادتها القديمة!

لكن الحقيقة.. أن جزءًا من هذا السيناريو طبيعي وليس لنا يدٌ فيه.. بل الله سبحانه يعذرنا فيه! لأن رسول الله ﷺ قال: [وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ، فَيَغْفِرُ لهمْ] رواه مسلم.

إذًا.. هذه طبيعتنا البشرية التي ليست لنا يدٌ فيها.. بل نحن معذورون ومأجورون على المحاولة بعد الخطأ! فإذًا.. مالمشكلة في كل هذا؟

المشكلة أننا لا نتوسط.. فنحن لا نترك بعض الطاعات التي ننهل منها بكثرة في مواسم الخيرات.. بل نتركها كلها دفعة واحدة مع حلول العيد! ولا نثبت على تجنب بعض المعاصي التي هربنا منها في مواسم الخيرات.. بل نعود لها كلها جريًا وكأنما ضيئت إشارة خضراء سمحت لنا بإكمال المسير!

صحيح أننا لن نكون خارقين، ولن نترك الذنوب تمامًا.. ولن نستمر على الطاعات الغزيرة نفسها.. ولكن؛ ألا نستطيع أن نجعل لنا بعض عبادات وإيمانيات تصبح عادة نستمر عليها؟ ثم من موسم إلى موسم.. ستكثر العادات والعبادات التي نستمر عليها تدريجيًّا.. حتى نصبح من المؤمنين المتقين الذين نرجو الله دائمًا أن نكون منهم!

أنت سارعت لختم القرآن الكريم مرة أو مرتين أو ثلاث مرات خلال شهر رمضان.. فلا تقطعه إلى رمضان القادم وكأن ما بينك وبينه محصور على رمضان! صاحب القرآن في حياتك كلها، صفحتين أو ثلاث يوميًّا أفضل من لا شيء.. حذاري أن تهجره.

هل لازمت الدعاء في رمضان أو ذو الحجة وأحببت شعوره وسكينته وما يصاحبه من راحة ورضا في القلب؟ فلماذا ينقطع الدعاء ويقل الأمل بعد هذه المواسم.. هل الله يسمعك في رمضان فقط؟ أو أن الله يستجيب لك في ذو الحجة ولا يستجيب لك في غيره؟ حاشا لله.. مكارمه وأرزاقه وإجابته للدعاء تصحبنا في كل ثانية نتنفس فيها! فلماذا نقطعه؟

الم تجد راحة واطمئنان وانشراحة في الحفاظ على الأذكار؟ فلماذا تهملها وتهمل بركاتها وخيراتها العظيمة عليك وعلى حياتك؟

هل جربت القراءة من حفظك في الصلاة؟ إذًا استمر.. سيوفقك الله حتى تحفظ القرآن كاملًا في قلبك إن التزمت مراجعته في صلواتك!

هل وجدت لذة في قيام الليل؟ إذًا.. واظب عليه لو بالشفع والوتر قبل الفجر.. حين ينزل الله سبحانه الى السماء الدنيا ليعطيك ويمنحك.. ليزيح همك ويرفع قدرك وينير وجهك.. ويحبّك.

صدّقني.. عبادات بسيطة تستمر عليها ستجعل حياتك أجمل.. وأفضل.. وأملأ بتوفيق الله وتيسيره.

وأيضًا في الجانب الآخر.. اختر ذنوبًا لا تعود إليها، مهما كانت قليلة في نظرك، واجعل في نيتك "من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا مما ترك"!

ألم يتنظف لسانك وقلبك من ترك الغيبة؟ ومن السباب والشتم؟ فلماذا تعود لتوسخهما مرة أخرى..؟

ألم تمسك نفسك عن الذهاب إلى أماكن الاختلاط الدنيئة المليئة بالمنكرات لأجل الله في رمضان؟ فاتركها لأجله بعدها أرجوك.. لأنها ستنكت في قلبك نكتًا سوداء تحجب عنك كل خير!

ألم تقطع الأفلام الماجنة والسماع إلى الأغاني ولم ينقطع عنك الأكسجين؟ بل على العكس ارتاحت نفسك وقلبك على هذا الحال.. إذًا استمر بقطعها وقطع شياطينك معها! أو على الأقل قلّل منها إلى أن تصل لمرحلة أن تكرهها نفسك.. وكل هذا سيكون توفيقًا من الله لك إن علم بصدق نيتك. 

أنت تستطيع.. حاول، وافشل، واذنب، وتب، واغفل، وعد، واخطئ.. ولكن دائمًا.. دائمًا.. عد مرة أخرى، واجعل قلبك معلقًا بربك.. مهما غوتك الدنيا.

اجعل نيتك في مواسم الطاعات هذه أنك ستستمر لو بالقليل، أنك ستداوم على المحاولة وعلى التقرب من الله سبحانه، ليكون التوفيق ملازمًا لك دائمًا أيضًا.