السبت، 27 أبريل 2019

شاي الغروب



شاي الغروب..
أو كما أسمته أمي.. في حديقة منزلنا الخلفية.
أصبحت تلك اللحظات تشكل أساسًا ليومي كما الحبل السري للجنين، ما إن نجلسُ كلتينا على الكرسيين الخشبيين أمام الطاولة الصغيرة.. حتى تتعالى ضحكاتنا على أحداث يومنا التي نرويها لبعضنا.. حتى وإن كانت سيئة.. فإننا نحولها الى كوميديا ساخرة، فبالنهاية.. كل أمر سيهون ما دمنا سويًّا!

اعتادت أمي على وضع ثلاث زهرات صغيرة في كوبَينا.. كما أنها كانت حين تسكب الشاي.. ترفع الابريق الأبيض ذو الزهور البنفسجية والأطراف الذهبية عاليًا.. ليصدر الشاي حين انصبابه صوتًا مغريًا على حد قولها..
وأحيانًا.. تهُبُّ رياحٌ خفيفة.. تدفع بخيط الشاي المنسكب الامع على ثوب احدانا.. فتضحك عليها الأخرى في حين تمسح هي بالمنديل بدورها!.

غالبًا ما كان يطل علينا أحد الجيران من خلف السور الأبيض ملقيًا التحية.. أو كلمة لطيفة تجعلنا نبتسم لبعضنا وقد ملأنا السرور..
وفي بعض الأحيان.. تمر جارتنا العجوز فتقدم لنا كعكاتها الشهية التي تعلوها قطع التوت الطازج ( أو ربما الكرز! ان لم تجد التوت في حديقتها ).. كنت أقفز فرحًا واتحقق من كمية الشاي المتبقي في الابريق - فهو أساسي مع الكعك طبعا! - ثم أجري الى داخل المنزل.. والى المطبخ تحديدا.. فأُحضر لها كرسيًّا وكوبا اضافيًّا.. لتشاركنا وقتنا!.

...

أخبرتي أمي ذات يوم.. ورأسي مُسند على كتفها.. في حين كنا مستلقيتين على سريرها.. أنني أجمل شيء حصل لها في حياتها.. وأنها لن تندم اطلاقًا على زواجها من أبي بالرغم مما حصل.. لأنه كان السبب في وجودي..

اكتفيت بعناقها وبالابتسام وقتها.. وربما قلت لها " أحبك " لأنني لم أجد ما يعبر عن فرحتي بكوني سعادتها!
لكنني وفي هذه اللحظة.. أتمنى أن أعود لأقول لها " وأنتِ كل الحياة بالنسبة إلي.. "

هي لا تعلم أنني لا زلت اشاركها وحدها أحزاني.. كما اعتدنا..
برسالة أدفنها أسفل وسادتها.. ولكن الامر اختلف تمامًا.. لم نعد نضحك عليها سويًّا، بل أصبحت أبكي لوحدي..

كم أفتقدك يا أمي.. ولتعلمي انك لم تموتي وحدك.. فقد ماتت حياتي معك.