الأربعاء، 27 أبريل 2022

تدوينة مساعدة لاستغلال ليلة القدر


هذه التدوينة ليست من أجل ذكر فضائل ليلة القدر.. فليلة القدر أعظم من أن نختصرها في سطور!

ولكنها كمرشد، مساعد، كاتالوج "لا ينزّه عن النقص" لإحياء ليالي العشر التي تُرجى فيها ليلة القدر لا حرمنا الله فضلها.

ملاحظة: أبواب الخير كثيرة ولا تحصر.. فسدّو خلل هذه التدوينة -في خانة التعليقات- بعبادات أخرى ندرجها للقائمة ونعمل بها جميعًا ليُكتب أجرنا بإذن الله.


١) كثرة ذكر الله:

كثرة ذكر الله تعالى خلال يومنا ستعيننا بإذن الله على قيام ليالينا، فالحوقلة تعطي قوة، والاستغفار يزيل الذنوب التي تُثقل عن الطاعة، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سبب في إجابة الدعوات، والتسبيح والتحميد والتهليل كلها ذكرٌ يقرّب إلى الله، ويشحذ همة القلب للطاعة؛ فيكتسب العبد طاقة عظيمة من الله تعينه على قيام ليله بإذن الله.


٢) تجديد النية:

انوي قبل كل شيء أن يعتق الله رقبتك من النار، فهي أيام يكثر فيها العتق من النار.. ومن أعتق الله الشكور رقبته فستحرّم عليه النار أبدًا!

وانوي أن يكتب الله لك السعادة.. ففي هذه الليلة المباركة يكتب الله سبحانه مقادير السنة.. فإما أن تكون شقيًّا.. وإما أن تكون سعيدًا! لذا من الأدعية التي يكثر الدعاء بها هذه الأيام أن تقول: " اللهم ما كتبت في هذه الليلة الشريفة من خير وصحة وسعادة وسعة رزق فاكتب لنا فيها أوفر الحظ والنصيب.. وما كتبت فيها من شر وبلاء وفتنة فاصرفه عنا وعن المسلمين " آمين.

وانوي أن يعطيك الله بقيامك ليلة القدر أجرًا أعظم من عبادة ألف شهر كاملة!

وكلما جدّدت نية.. كلما عظم أجرك بإذن الله.


٣) الاستعانة بالله والتوكل عليه قبل كل شيء:

فلولا الله ما اهتدينا.. ولا تصدقنا ولا صلينا.. لولا الله لم نصِل أصلًا إلى هذه الليالي المباركة! لولا الله لم نقم ولم نصم ولم نقرأ سورة من القرآن! كل ذلك بفضل الله، فلنستعن به حتى يزيدنا.. ويبارك لنا.. ويقبل منا.


٤) جهز بيئة خلوتك:

اختر مكانًا نظيفًا.. طاهرًا.. بعيدًا عن الصور والرسومات ذات الأرواح لأنها تطرد الملائكة، عطّر ثيابك وعطّري شرشف صلاتك وسجادتك، اجعل بجانبك مصحفك وكتيّب أذكارك ومسبحتك وكأسًا من الماء حتى لا تقطع خلوتك! صدّقني.. لو خشعت روحك واستراحت بقرب ربها فستمضي الساعات دون أن تشعر بمرورها.


٥) تدبر القرآن بقدر ما تستطيع:

لا تجعل قراءة القرآن مجرد عبادة، اجعلها لذة.. باستحضار قلبك وبمحاولة الفهم وبالانسجام مع القصص وإعمال ذهنك.

قراءة القران لمجرد الانتهاء متعبة؛ ولكن قراءته لأجل فهمه.. ومحبته.. والاتعاظ به.. وتذوقه.. والعيش فيه.. سعادة وجمال يفوق الوصف!


٦) ألحّ على الله بالدعاء:

نعم، الحّ بمعنى الكلمة.. فالله يحب العبد اللحوح! وليس كبني البشر سبحانه.. كلما "زنّيت" أكثر حرموك من حاجتك! لأن إلحاحك على الناس مذلة ولا يودي بهم إلا إلى بغضك وتجنبك! لكن الله سبحانه -بإلحاحك- يحبك ويقربك.. ويستجيب لك.

أعد طلبك في الدعاء مرة ومرتين وثلاثة وعشرة ثم كرر الدعاء في يومك عشرات بل مئات المرات؛ ستكون أقرب للإجابة وأقرب من المجيب ذاته سبحانه!

وتحيّن أوقات الإجابة.. بين الأذان والإقامة، وفي آخر ساعة من الجمعة، وأثناء صيامك، وفي ثلث الليل الأخير… تكون الإجابة بإذن الله أأكد وأقرب.


٧) ابكي وتباكى من خشية الله:

في حديث عظيم أنه لا يلج النار رجل بكى من خشية الله كما لا يعود اللبن إلى الضرع..

يا سبحان الله، أبكي من خشية الله فيجيرني الله من النار؟ الله سبحانه يريدنا أن ندخل جنته، يريد أن لا يعذبنا.. ولكن أين نحن من رحمة الله! في أثناء قراءتك للآيات.. توقف عند بعض أحوال أصحاب النار.. وعذابهم.. وطعامهم.. وشرابهم.. ثم تخيل.. تخيل كمّ الألم الذي يأكل أجسادهم.. حتى تتقيح من شدة الاحتراق ثم يتساقط اللحم.. ومن هذا القيح يشربون.. ثم من الأشواك الحادة المُرة التي تقطع أمعائهم يأكلون.. ثم يصيحون ويزفرون.. يتوسلون إلى ملائكة العذاب أن تستجدي ربهم ليخرجهم.. لكن الملائكة تردهم.. لأن عذابهم مستمر.

تخيل حين يُذبح الكبش بين الجنة والنار.. فيقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت.. ويا أهل النار؟؟؟ خلود فلا موت.. خلود فلا موت! أبد الآبدين! عذاب مستمر عظيم إلى ما لا نهاية!!! تخيل شعورهم.. تخيل ندامتهم، تلك الندامة العظيمة التي لا رجوع بعدها للتصحيح! فقد فات الفوت.. تخيل كل ذلك.. كل الصراخ.. كل الألم.. كل الحسرة.. كل الجلد والقيح والعظم.. وابكِ، ابكِ خشية من الله ومن عذاب الله.. ثم هنيئًا.. وعد من الله تعالى، سينجيك الله من النار.


٨) تصدق مما أعطاك الله:

ولموضوع النية نعود.. فانوي بصدقتك -قلّت أو كثرت- الأجر المضاعف من ربّ العباد + العوض العظيم من الشكور سبحانه، معروفٌ أن الصدقة لا تُنقص من المال شيئًا.. ولا بد من اليقين الجازم بذلك.. وما تنفقه يعود لك أضعافًا.. كن متيقّنًا!


٩) أحسن الظن بالله:

ختامًا.. أحسن الظن بربّك، بأنه سيستجيب دعاءك، وبأنه سيغفر لك ذنوبك، وبأنه سيقبل عملك، وبأنه سيعتقك من النار! الله عز وجل يقول أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء، فما تظن أنت؟ سيعطيك الله بظنك.


❞  تذكّر: هي ليلة واحدة في السنة.. يوم من ٣٦٥ يومًا، إن لم تغتنمها فأنت الخاسر.


الأحد، 24 أبريل 2022

عقوبة ذنوبك الأليمة التي لم تدركها


كان أعظم درس ثمين ومؤلم.. تعلمته في رمضان.. وارجو من الله أن لا أكون قد تأخرت.
درسٌ كلنا بحاجة إليه دون استثناء.. وإن أنكرت أنفسنا.

سمعتُ كلمة من شيخٍ عالمٍ هزتني.. حين قال: لا تقل؛ إني أذنب والله لم يعاقبني في الدنيا، فإن في مقابل كل ذنب عقوبة، إما الهم -وهذا ما نذوقه كثيرًا هذه الأيام-، وإما -وهذا الأعظم- أن يكون في مقابل الذنب حرمان من طاعة.
لنسأل أنفسنا: كيف دخلنا رمضان؟ كيف وجدنا أنفسنا مع العبادات؟ تثاقل؟ تكاسل؟ اكتفاء بالقليل؟ يردك عن القيام نعاس.. يردك عن قراءة القرآن تعب وهزال.. وأنت ربما تقرأ كتبًا غيره! يردك عن الدعاء كسل، فلا أنت تستطيع الدعاء، وإن دعوت لم تستطع الإطالة.. حالٌ مبكية! كبلتنا ذنوبنا.

طوال العام.. أذنبنا واقترفنا المعاصي بكل الأشكال والألوان.. وحتى في شعبان.. وربما كانت نيتنا "نحلل آخر شهر قبل رمضان فلا أغاني ولا حفلات ولا أفلام ولا لباس عاري!" والعياذ بالله، أصبحت نفوسنا أخطر علينا من الشياطين، نقول الشياطين مكبلة، فمن ذا الذي يوسوس لي أن أفعل كذا؟ من ذا الذي يثقلني عن الطاعة! فتلك تختم الختمات في رمضان، وذلك يصلي ويطيل، وأنا طاقتي محدودة! إنها نفسك الثقيلة التي ابتعدت طوال السنة عن العبادة وعن الله وعن التورع عن المعاصي، فكيف تريدها أن تعينك الآن؟ أصبحت نفسك أخطر عليك من شيطانك، إن كيد الشيطان كان ضعيفًا.. ولكن نفسك -إن لم تروضها- ستكون عليك شديدة.

تأمل؛ لو كان في مقابل كل ذنب حرمان من طاعة، فكم فاتتنا صلاة فجر طوال السنة؟ كم نمنا عن صلاة؟ كم اعتزمنا قيام ليلة وصلاة وتر فظننا أن النوم كبّلنا؟ لكن النوم لم يكبّلنا! بل أثقلتنا ذنوبنا.

الأمر جدُّ خطير، ولا زلنا نذنب.. نعتقد أن الأمر يسير نذنب ونذنب ثم يأتي رمضان لنتوب ونغسل ذنوبنا ثم نستكمل رحلة المعاصي حتى رمضان القادم.. لكننا نُصدم حين يأتي رمضان ونرى أن قلوبنا مغلقة، نصلي من التراويح أربع ركعات ثم نملّ وننتظر إكمال البقية بأسرع وقت! نتلو من القرآن ونحاول الخشوع والتدبر فتتعب ألسنتنا وعقولنا التي لم تتعب يومًا من كثرة الكلام والغيبة وتحليل الأحداث! نقول: الصيام سهل، لكننا لا نستيقظ قبل المغرب إلا ببضع ساعات ونسميه صيام! ألهذا الحد أصبحنا ضعفاء ومساكين؟ رُبّ شيخٍ كبيرٍ في السن معمّرٍ مريضٍ أقوى منا! يعتكف ويصلي التراويح كاملة خلف الإمام وأغلب يومه تلاوة للقرآن ويصوم حتى عن أدويته، أين نحن من كل هذا؟ لما الشيخ أقوى منا؟ لأننا ضعاف نفوس.. وإلا فقوة البدن والعقل موجودة، وإنما نصرفها في غير الطاعة.

أصبح قرب رمضان كالهم على القلب والله المستعان، لأن القلب غير مستعد لقطع جميع شهواته وأهوائه وملذاته الدنيوية لأجل أن يعبد الله على مدار الساعة، ثقل، قساوة في القلب، ضيق، وخمول، وخذلان.
لا تظن يومًا.. أن ما تقترفه طوال السنة، لن يلحق بك إلى رمضان، ليجعلك هزيلًا.. ضعيفًا.. مخذولًا.. لا تجد طعمًا للطاعة ولا توفيقًا لها.. لا تظن أبدًا.. أن ساعات لهوك وعصيانك، لن تعود عليك بالندامة؛ حين تجد غيرك يتسابق طائعًا قد فاز برضا الله، وأنت مكبّل بخطاياك تتفرج من بعيد.

إن لم تُقبَل في رمضان، فأنت خاسر كل الخسران، إن لم تجعل السنة كلها قالبًا تدخل به إلى رمضان.. فلا تلومنّ نفسك الضعيفة وتأمل حب الطاعة فجأة والالتفات الى الله بقلبك، وأن تذوق روحانية الشعائر.. لن تذوقها ولن تذوق رمضان.

سرّ قوتها..


اجتهدَت في العشر الأواخر..

كنت أحيانًا أجلس وأتأمل صلاتها دون أن تشعر، كانت صلاتُها السكينة.. تحرُّكاتها خفيفةٌ رقيقة ليست صلاة سباقٍ ونقر.. كانت حين تنزل للسجود تشعر وكأنها ورقة هابطة من خفّتها، وحين تصل للسلام وتولّي وجهها لليمين ألمح فيها لذةً وانكسارًا وانشراحًا في الوقت ذاته.. شيء لا أستطيع وصفه! ربّما هما الحب والخوف والرجاء، وقد نجحت بدمجهما في قلبها بإعجاز.

لم تحتج إلى دروسٍ تعلمني إياها لِتُحبّبني بالصلاة.. كانت مثلًا عظيمًا عميقًا أمامي.

بدأت أشعر مرةً بعد مرة بأن الصلاة هي قوّتها في الحياة، لم أرها منكسرة إلا في الصلاة وعند الدعاء! أما في أمور الدنيا؟ فهي دومًا ثابتة.

أريد أن أصلي..

هكذا حدّثت نفسي حين حَمِيَ بيَ الحماس والشوق لتقليد صلاتها ولإحساس شعورها..

أحضرتُ طقم سُجادتي ورداء صلاتي ومصحفي المغطى بقماشٍ مُزهّر، أدركت أنني كنت أهتم بـ " الشكليات " أكثر مما أهتم بعبادتي!

فرشت سجادتي بجانبها بهدوء كي لا أشتتها.. كبّرت مطيلةً التكبير ومتعمّقة بالإحساس به، بأن الله أكبر من كل شيء، من حياتي وهمومي وانشغالاتي ومتاعبي.. كبّرت مستندةً برُكن قوي، فشعرت لأول مرة أنني ولجت إلى عالمٍ آخر..

عالم الصلاة.

عاهدت نفسي على أن أكون مثلها.. هي أقرب صديقاتي إلى قلبي وأوثقهُن بيّ صلة.. رأيت سرّ قوتها..

السرّ الذي سأواجه به ما بقي من حياتي.