السبت، 15 أبريل 2023

أنتم مُلك ما تسمعون وما تشاهدون وما تقرأون

لن تتصوّر مدى العمق الهائل لتأثير حواسّك على عقلك وقلبك وبالتالي تصرفاتك وشخصيّتك.

حين أقول "أنت مُلك ما تسمع" فأنا حقًّا أعني ذلك..

نوعية المؤثرات الخارجية تتفاوت في حجم تأثيرها، أتحداك مثلًا إن لم تشاهد في حياتك فيلمًا أثّر فيك تأثيرًا هائلًا.. إما أن يكون قد ألهمك بشدة للعبة مثلًا (كالكاراتيه أو كرة القدم) أو للكتابة أو للسفر حول العالم إلخ.. وإن كنت قارئًا أتحداك إن لم يؤثر فيك كتاب تأثيرًا ملموسًا أو غيّر في معتقداتك وأفكارك وأساليبك! بل وحتى المسموعات، الأغاني تؤثر.. القصص الصوتية والبودكاست وهلمّ جرًّا.. كل ذلك يُحدث تأثيرًا ولو بعد حين.. يتفاوت في القوة؛ لكنه بالنهاية يتمكن منك.

فكرة النسوية الآن مثلًا.. مالذي جعلها متغلغلة في مجتمعنا بالرغم من أنها لم تبدأ هنا ولا هي من طبيعتنا أو معتقداتنا أصلًا؟ كل هذا التأثير الذي يحدث لهذه الفكرة هو بسبب كثرة "المؤثرات الخارجية" من مقاطع وأفلام وصوتيات ومقالات وكتب تزرع هذا الخَبث في العقول والقلوب! كلما شاهدتِ فيلمًا يؤيد هذه القضية توغلت فيكِ أكثر.. ثم تقرأين لـ"نسوية قبيحة" كتابًا أو مقالًا أو تسمعين تسجيلًا صوتيًّا أو أو... فتلاحظين مع مرور الوقت أنك بدأت تتقبلين الفكرة.. ثم والعياذ بالله؛ تؤيدينها وربما تحاربين من أجلها! ولا تلومي أحدًا.. فأنتِ من ألقيتِ بنفسك بهذا الشَّرَك*.

وبالمقابل نأتي لفكرة الإيمان والالتزام والتديّن.. هل تعتقد أو تعتقدين أن إسراف وقتك في متابعة الأفلام والمسلسلات الأجنبية التي تدعو للتحرر وملذات الحياة بلا قيود.. وبالاستماع إلى الموسيقى والأغاني المليئة بالمشاعر المحرّمة والبعد عن الله والعشق الممنوع الخ.. وجلسات السهر المليئة بالسموم والكلام الخاطئ ومخالطة رفاق السوء أو رفاق "الدنيا" الذين لا يهمهم سوى الشيشة والأغاني والورق وحرية إظهار العورات.. أو الإكثار من الخروج إلى الأماكن العامة الجالبة للفتنة بين النساء الكاشفات المائلات المميلات والرجال أصحاب الشهوات القبيحة والنظرات الدنيئة...

هل تعتقد بأن كل هذا.. سيساعدك أصلًا على أن تحب دينك أو تفكّر في زيادة إيمانك؟ أنت تتوغل في جحيم وأنت لا تُدرك.. تظن أن متعتك الحسية ولهوك المؤقت سيجعلك في حرية وسعادة ومشاعر لانهائية من النعيم وسرور القلب.. لكنك بعيدٌ كل البعد.. كل البعد..! عن السعادة.

ومن الطبيعي جدًّا أن تقرأ كلامي هذا وتجده مبالغًا، وربما تقول (الله غفور رحيم) وأنت منغمسٌ في هول صنائعك دون خوف من (الله شديد العقاب)! كل هذا لأنك في الحقيقة متوغّلٌ في المؤثرات التي ذكرتُها دون أن تدرك حجم ما صنعت بك.. ولن تدرك ولن تفهم إلا حين تجرّب أن تغيّر المسار قليلًا.. تتزوّد من قراءة القرآن والسيرة النبوية والكتب الدينية ولو البسيطة، تشاهد محاضرات أو مقاطع دينية أو أفلام لقصص الصالحين، تخالط المتديّنين أو من "يخافون الله" حيث تجدهم في المساجد وفي دور التحفيظ.. جاهد نفسك قليلًا.. كن فضوليًّا لطريق السعادة الحقيقة! حينها ستجد قلبك شيئًا فشيئًا يميل إلى الفطرة.. يتعطّش أكثر للاقتراب.. يبحث بشكلٍ أعمق، وحين يرى الطمأنينة في هذا الطريق يتوقف.. ويبكي! أين أنا عن هذا منذ زمن طويل؟ أين أن عن هذه اللذة الحقيقية.

حين تشعر بأن فطرتك قد تغيرت.. وأنك تسير في طريقٍ لا يريحك.. وأنك تريد الرجوع لكنك لا تستطيع.. تشعر بأن هناك خطبًا ما.. لكنك لا تدري ما هو! حينها راجع نفسك.. ماذا تسمع؟ ماذا تشاهد؟ ماذا تقرأ؟ وابدأ من هنا.

انتبه لما تصبّه في هذه الحواس.. كن منتقيًا بحرص.. لأنك أنت من سيكون مسؤولًا عمّا سيؤول إليه حالك بعدها.


* أي: الفخ.

الاثنين، 10 أبريل 2023

لن نصل إلى الكمال أبدًا


حقيقة يرغب البعض في عدم تصديقها، والبعض الآخر يجدها حقيقة مريحة.

وبكل الأحوال.. فهذا هو الأمر! لن نصل إلى الكمال.. مطلقًا.

يُحزننا جدًّا أن نجد أنفسنا في مواسم العبادات طائعين مكثرين من الخيرات وصادّين كل الصد عن المنكرات غير راغبين بها ولا بتدنيس أيامنا الفضيلة فيها، ثم بعد هذه المواسم.. تعود ديمة لعادتها القديمة!

لكن الحقيقة.. أن جزءًا من هذا السيناريو طبيعي وليس لنا يدٌ فيه.. بل الله سبحانه يعذرنا فيه! لأن رسول الله ﷺ قال: [وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ، فَيَغْفِرُ لهمْ] رواه مسلم.

إذًا.. هذه طبيعتنا البشرية التي ليست لنا يدٌ فيها.. بل نحن معذورون ومأجورون على المحاولة بعد الخطأ! فإذًا.. مالمشكلة في كل هذا؟

المشكلة أننا لا نتوسط.. فنحن لا نترك بعض الطاعات التي ننهل منها بكثرة في مواسم الخيرات.. بل نتركها كلها دفعة واحدة مع حلول العيد! ولا نثبت على تجنب بعض المعاصي التي هربنا منها في مواسم الخيرات.. بل نعود لها كلها جريًا وكأنما ضيئت إشارة خضراء سمحت لنا بإكمال المسير!

صحيح أننا لن نكون خارقين، ولن نترك الذنوب تمامًا.. ولن نستمر على الطاعات الغزيرة نفسها.. ولكن؛ ألا نستطيع أن نجعل لنا بعض عبادات وإيمانيات تصبح عادة نستمر عليها؟ ثم من موسم إلى موسم.. ستكثر العادات والعبادات التي نستمر عليها تدريجيًّا.. حتى نصبح من المؤمنين المتقين الذين نرجو الله دائمًا أن نكون منهم!

أنت سارعت لختم القرآن الكريم مرة أو مرتين أو ثلاث مرات خلال شهر رمضان.. فلا تقطعه إلى رمضان القادم وكأن ما بينك وبينه محصور على رمضان! صاحب القرآن في حياتك كلها، صفحتين أو ثلاث يوميًّا أفضل من لا شيء.. حذاري أن تهجره.

هل لازمت الدعاء في رمضان أو ذو الحجة وأحببت شعوره وسكينته وما يصاحبه من راحة ورضا في القلب؟ فلماذا ينقطع الدعاء ويقل الأمل بعد هذه المواسم.. هل الله يسمعك في رمضان فقط؟ أو أن الله يستجيب لك في ذو الحجة ولا يستجيب لك في غيره؟ حاشا لله.. مكارمه وأرزاقه وإجابته للدعاء تصحبنا في كل ثانية نتنفس فيها! فلماذا نقطعه؟

الم تجد راحة واطمئنان وانشراحة في الحفاظ على الأذكار؟ فلماذا تهملها وتهمل بركاتها وخيراتها العظيمة عليك وعلى حياتك؟

هل جربت القراءة من حفظك في الصلاة؟ إذًا استمر.. سيوفقك الله حتى تحفظ القرآن كاملًا في قلبك إن التزمت مراجعته في صلواتك!

هل وجدت لذة في قيام الليل؟ إذًا.. واظب عليه لو بالشفع والوتر قبل الفجر.. حين ينزل الله سبحانه الى السماء الدنيا ليعطيك ويمنحك.. ليزيح همك ويرفع قدرك وينير وجهك.. ويحبّك.

صدّقني.. عبادات بسيطة تستمر عليها ستجعل حياتك أجمل.. وأفضل.. وأملأ بتوفيق الله وتيسيره.

وأيضًا في الجانب الآخر.. اختر ذنوبًا لا تعود إليها، مهما كانت قليلة في نظرك، واجعل في نيتك "من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا مما ترك"!

ألم يتنظف لسانك وقلبك من ترك الغيبة؟ ومن السباب والشتم؟ فلماذا تعود لتوسخهما مرة أخرى..؟

ألم تمسك نفسك عن الذهاب إلى أماكن الاختلاط الدنيئة المليئة بالمنكرات لأجل الله في رمضان؟ فاتركها لأجله بعدها أرجوك.. لأنها ستنكت في قلبك نكتًا سوداء تحجب عنك كل خير!

ألم تقطع الأفلام الماجنة والسماع إلى الأغاني ولم ينقطع عنك الأكسجين؟ بل على العكس ارتاحت نفسك وقلبك على هذا الحال.. إذًا استمر بقطعها وقطع شياطينك معها! أو على الأقل قلّل منها إلى أن تصل لمرحلة أن تكرهها نفسك.. وكل هذا سيكون توفيقًا من الله لك إن علم بصدق نيتك. 

أنت تستطيع.. حاول، وافشل، واذنب، وتب، واغفل، وعد، واخطئ.. ولكن دائمًا.. دائمًا.. عد مرة أخرى، واجعل قلبك معلقًا بربك.. مهما غوتك الدنيا.

اجعل نيتك في مواسم الطاعات هذه أنك ستستمر لو بالقليل، أنك ستداوم على المحاولة وعلى التقرب من الله سبحانه، ليكون التوفيق ملازمًا لك دائمًا أيضًا.

الثلاثاء، 21 مارس 2023

روحٌ ظمآنة


أول مرة أشعر بأنني بحاجة فعلًا إلى رمضان..

متعطشة للعبادة، للخلوة، للروحانية، للابتعاد عن الدنيا ولو قليلًا!

متعطشة لقطع السُّبل إلى كل خطيئة وكبيرة.. جفافٌ أودى بروحي إلى أن تنزف دم ما جنت على نفسها من جريمة البعد والغفلة.. من جروح الجهالة.. وأشواك الانهماك في الملذات، نُخطئ جهلًا منا بعظمة الله؛ ثم نجد أن لا غير الله يملك شفاءنا من الخطأ.. فنعود مطأطئين رؤوسنا خجلًا وحياءً، نطلب الغفران والشفاء.

أول مره أشعر بأنني لا أريد أن يكون رمضان شهرًا.. بل أريد أن يستمر حتى نمتنع مرغمين عن الالتفات إلى دنيا زائفة! عن الموسيقى والحفلات.. عن التخلع وفسخ الحياء.. عن التسكع في الشوارع والقهقهة.. عن الأفلام التي صارت -90% منها- إباحية! عن القيل والقال واجتماعات "الغيبة"؛ التي ستكون فاجعة لنا.. حين ندخل إلى قبرنا فنجد عذابها ينتظرنا مستعدًّا لنا.

الحياة في الماضي -بالنسبة لهذا الوقت- كانت كلها رمضان، التورع.. قلة الخروج.. الامتناع عن المنكرات في المنزل -فلم يكن هناك الكثير من أجهزة تشغيل الموسيقى والأفلام -أو لم يكن الأب يسمح بها!-.. اجتماع العائلة.. بل والاجتماع على الطعام، تُرى.. هل كانوا يشعرون بفرق (ديني روحاني) كبير عند حلول رمضان؟.

يتملكني ضيقٌ عميق، عميقٌ جدًّا.. حتى أنني لا أقدر على الوصول إليه لأعالجه! فهل سيعود كل شيء كما كان بعد رمضان؟ كلمة لا "الضخمة" التي نضرب بها نفسنا الأمّارة بالسوء في رمضان؛ ألن نستطيع أن نضرب بها الشيطان بعده؟ ألن نملك القوة والحصانة التي امتلكناها في رمضان!

هل هو "شهر" والسلام؟

رباه.. حقيقةٌ مُرّةٌ تجعلني أخشى دخول رمضان قبل أن أُسوّيها.. فكيف سأعبد الله بقلبٍ مخادعٍ يعتزم العودة إلى كل شيء بعد رمضان؟ بل كيف سأخدع نفسي بأنني مؤمنة صالحة في رمضان! هل لباس "الإيمان" خاص برمضان نرتديه في أول ليلة ونخلعه ليلة العيد؟ أريد أن أتوقف.. من كل قلبي وعقلي وجوارحي ونفسي.. أريد ان لا اخلع لباس الإيمان والتقوى والطاعة والتورع والخشية والمحاسبة والصلاح! لا اريد أن أخلعه.. أريد أن أموت فيه.

كل هذه الإرادة.. إلا أن شيئًا واحدًا.. واحدًا فقط، يعادلها كفة، بل هو أثقل منها الآن في الميزان!......... الخوف.

الخوف من فقدان المتعة واللذة.. الخوف من الشوق إلى كل شيءٍ دنيويٍّ حقيرٍ زائف.. الخوف من القاء كل "الملابس الخليعة".. الخوف من موت الإرادة ثانيةً والعودة إلى كل شيء.

خوفٌ مرضيٌّ يقودني ويقودك؛ فيا لضعف إيماننا.

ربّاه، أعود إليك مطأطئة الرأس خجلًا وحياء.. اطلب الغفران.. والشفاء.

الأربعاء، 27 أبريل 2022

تدوينة مساعدة لاستغلال ليلة القدر


هذه التدوينة ليست من أجل ذكر فضائل ليلة القدر.. فليلة القدر أعظم من أن نختصرها في سطور!

ولكنها كمرشد، مساعد، كاتالوج "لا ينزّه عن النقص" لإحياء ليالي العشر التي تُرجى فيها ليلة القدر لا حرمنا الله فضلها.

ملاحظة: أبواب الخير كثيرة ولا تحصر.. فسدّو خلل هذه التدوينة -في خانة التعليقات- بعبادات أخرى ندرجها للقائمة ونعمل بها جميعًا ليُكتب أجرنا بإذن الله.


١) كثرة ذكر الله:

كثرة ذكر الله تعالى خلال يومنا ستعيننا بإذن الله على قيام ليالينا، فالحوقلة تعطي قوة، والاستغفار يزيل الذنوب التي تُثقل عن الطاعة، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سبب في إجابة الدعوات، والتسبيح والتحميد والتهليل كلها ذكرٌ يقرّب إلى الله، ويشحذ همة القلب للطاعة؛ فيكتسب العبد طاقة عظيمة من الله تعينه على قيام ليله بإذن الله.


٢) تجديد النية:

انوي قبل كل شيء أن يعتق الله رقبتك من النار، فهي أيام يكثر فيها العتق من النار.. ومن أعتق الله الشكور رقبته فستحرّم عليه النار أبدًا!

وانوي أن يكتب الله لك السعادة.. ففي هذه الليلة المباركة يكتب الله سبحانه مقادير السنة.. فإما أن تكون شقيًّا.. وإما أن تكون سعيدًا! لذا من الأدعية التي يكثر الدعاء بها هذه الأيام أن تقول: " اللهم ما كتبت في هذه الليلة الشريفة من خير وصحة وسعادة وسعة رزق فاكتب لنا فيها أوفر الحظ والنصيب.. وما كتبت فيها من شر وبلاء وفتنة فاصرفه عنا وعن المسلمين " آمين.

وانوي أن يعطيك الله بقيامك ليلة القدر أجرًا أعظم من عبادة ألف شهر كاملة!

وكلما جدّدت نية.. كلما عظم أجرك بإذن الله.


٣) الاستعانة بالله والتوكل عليه قبل كل شيء:

فلولا الله ما اهتدينا.. ولا تصدقنا ولا صلينا.. لولا الله لم نصِل أصلًا إلى هذه الليالي المباركة! لولا الله لم نقم ولم نصم ولم نقرأ سورة من القرآن! كل ذلك بفضل الله، فلنستعن به حتى يزيدنا.. ويبارك لنا.. ويقبل منا.


٤) جهز بيئة خلوتك:

اختر مكانًا نظيفًا.. طاهرًا.. بعيدًا عن الصور والرسومات ذات الأرواح لأنها تطرد الملائكة، عطّر ثيابك وعطّري شرشف صلاتك وسجادتك، اجعل بجانبك مصحفك وكتيّب أذكارك ومسبحتك وكأسًا من الماء حتى لا تقطع خلوتك! صدّقني.. لو خشعت روحك واستراحت بقرب ربها فستمضي الساعات دون أن تشعر بمرورها.


٥) تدبر القرآن بقدر ما تستطيع:

لا تجعل قراءة القرآن مجرد عبادة، اجعلها لذة.. باستحضار قلبك وبمحاولة الفهم وبالانسجام مع القصص وإعمال ذهنك.

قراءة القران لمجرد الانتهاء متعبة؛ ولكن قراءته لأجل فهمه.. ومحبته.. والاتعاظ به.. وتذوقه.. والعيش فيه.. سعادة وجمال يفوق الوصف!


٦) ألحّ على الله بالدعاء:

نعم، الحّ بمعنى الكلمة.. فالله يحب العبد اللحوح! وليس كبني البشر سبحانه.. كلما "زنّيت" أكثر حرموك من حاجتك! لأن إلحاحك على الناس مذلة ولا يودي بهم إلا إلى بغضك وتجنبك! لكن الله سبحانه -بإلحاحك- يحبك ويقربك.. ويستجيب لك.

أعد طلبك في الدعاء مرة ومرتين وثلاثة وعشرة ثم كرر الدعاء في يومك عشرات بل مئات المرات؛ ستكون أقرب للإجابة وأقرب من المجيب ذاته سبحانه!

وتحيّن أوقات الإجابة.. بين الأذان والإقامة، وفي آخر ساعة من الجمعة، وأثناء صيامك، وفي ثلث الليل الأخير… تكون الإجابة بإذن الله أأكد وأقرب.


٧) ابكي وتباكى من خشية الله:

في حديث عظيم أنه لا يلج النار رجل بكى من خشية الله كما لا يعود اللبن إلى الضرع..

يا سبحان الله، أبكي من خشية الله فيجيرني الله من النار؟ الله سبحانه يريدنا أن ندخل جنته، يريد أن لا يعذبنا.. ولكن أين نحن من رحمة الله! في أثناء قراءتك للآيات.. توقف عند بعض أحوال أصحاب النار.. وعذابهم.. وطعامهم.. وشرابهم.. ثم تخيل.. تخيل كمّ الألم الذي يأكل أجسادهم.. حتى تتقيح من شدة الاحتراق ثم يتساقط اللحم.. ومن هذا القيح يشربون.. ثم من الأشواك الحادة المُرة التي تقطع أمعائهم يأكلون.. ثم يصيحون ويزفرون.. يتوسلون إلى ملائكة العذاب أن تستجدي ربهم ليخرجهم.. لكن الملائكة تردهم.. لأن عذابهم مستمر.

تخيل حين يُذبح الكبش بين الجنة والنار.. فيقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت.. ويا أهل النار؟؟؟ خلود فلا موت.. خلود فلا موت! أبد الآبدين! عذاب مستمر عظيم إلى ما لا نهاية!!! تخيل شعورهم.. تخيل ندامتهم، تلك الندامة العظيمة التي لا رجوع بعدها للتصحيح! فقد فات الفوت.. تخيل كل ذلك.. كل الصراخ.. كل الألم.. كل الحسرة.. كل الجلد والقيح والعظم.. وابكِ، ابكِ خشية من الله ومن عذاب الله.. ثم هنيئًا.. وعد من الله تعالى، سينجيك الله من النار.


٨) تصدق مما أعطاك الله:

ولموضوع النية نعود.. فانوي بصدقتك -قلّت أو كثرت- الأجر المضاعف من ربّ العباد + العوض العظيم من الشكور سبحانه، معروفٌ أن الصدقة لا تُنقص من المال شيئًا.. ولا بد من اليقين الجازم بذلك.. وما تنفقه يعود لك أضعافًا.. كن متيقّنًا!


٩) أحسن الظن بالله:

ختامًا.. أحسن الظن بربّك، بأنه سيستجيب دعاءك، وبأنه سيغفر لك ذنوبك، وبأنه سيقبل عملك، وبأنه سيعتقك من النار! الله عز وجل يقول أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء، فما تظن أنت؟ سيعطيك الله بظنك.


❞  تذكّر: هي ليلة واحدة في السنة.. يوم من ٣٦٥ يومًا، إن لم تغتنمها فأنت الخاسر.


الأحد، 24 أبريل 2022

عقوبة ذنوبك الأليمة التي لم تدركها


كان أعظم درس ثمين ومؤلم.. تعلمته في رمضان.. وارجو من الله أن لا أكون قد تأخرت.
درسٌ كلنا بحاجة إليه دون استثناء.. وإن أنكرت أنفسنا.

سمعتُ كلمة من شيخٍ عالمٍ هزتني.. حين قال: لا تقل؛ إني أذنب والله لم يعاقبني في الدنيا، فإن في مقابل كل ذنب عقوبة، إما الهم -وهذا ما نذوقه كثيرًا هذه الأيام-، وإما -وهذا الأعظم- أن يكون في مقابل الذنب حرمان من طاعة.
لنسأل أنفسنا: كيف دخلنا رمضان؟ كيف وجدنا أنفسنا مع العبادات؟ تثاقل؟ تكاسل؟ اكتفاء بالقليل؟ يردك عن القيام نعاس.. يردك عن قراءة القرآن تعب وهزال.. وأنت ربما تقرأ كتبًا غيره! يردك عن الدعاء كسل، فلا أنت تستطيع الدعاء، وإن دعوت لم تستطع الإطالة.. حالٌ مبكية! كبلتنا ذنوبنا.

طوال العام.. أذنبنا واقترفنا المعاصي بكل الأشكال والألوان.. وحتى في شعبان.. وربما كانت نيتنا "نحلل آخر شهر قبل رمضان فلا أغاني ولا حفلات ولا أفلام ولا لباس عاري!" والعياذ بالله، أصبحت نفوسنا أخطر علينا من الشياطين، نقول الشياطين مكبلة، فمن ذا الذي يوسوس لي أن أفعل كذا؟ من ذا الذي يثقلني عن الطاعة! فتلك تختم الختمات في رمضان، وذلك يصلي ويطيل، وأنا طاقتي محدودة! إنها نفسك الثقيلة التي ابتعدت طوال السنة عن العبادة وعن الله وعن التورع عن المعاصي، فكيف تريدها أن تعينك الآن؟ أصبحت نفسك أخطر عليك من شيطانك، إن كيد الشيطان كان ضعيفًا.. ولكن نفسك -إن لم تروضها- ستكون عليك شديدة.

تأمل؛ لو كان في مقابل كل ذنب حرمان من طاعة، فكم فاتتنا صلاة فجر طوال السنة؟ كم نمنا عن صلاة؟ كم اعتزمنا قيام ليلة وصلاة وتر فظننا أن النوم كبّلنا؟ لكن النوم لم يكبّلنا! بل أثقلتنا ذنوبنا.

الأمر جدُّ خطير، ولا زلنا نذنب.. نعتقد أن الأمر يسير نذنب ونذنب ثم يأتي رمضان لنتوب ونغسل ذنوبنا ثم نستكمل رحلة المعاصي حتى رمضان القادم.. لكننا نُصدم حين يأتي رمضان ونرى أن قلوبنا مغلقة، نصلي من التراويح أربع ركعات ثم نملّ وننتظر إكمال البقية بأسرع وقت! نتلو من القرآن ونحاول الخشوع والتدبر فتتعب ألسنتنا وعقولنا التي لم تتعب يومًا من كثرة الكلام والغيبة وتحليل الأحداث! نقول: الصيام سهل، لكننا لا نستيقظ قبل المغرب إلا ببضع ساعات ونسميه صيام! ألهذا الحد أصبحنا ضعفاء ومساكين؟ رُبّ شيخٍ كبيرٍ في السن معمّرٍ مريضٍ أقوى منا! يعتكف ويصلي التراويح كاملة خلف الإمام وأغلب يومه تلاوة للقرآن ويصوم حتى عن أدويته، أين نحن من كل هذا؟ لما الشيخ أقوى منا؟ لأننا ضعاف نفوس.. وإلا فقوة البدن والعقل موجودة، وإنما نصرفها في غير الطاعة.

أصبح قرب رمضان كالهم على القلب والله المستعان، لأن القلب غير مستعد لقطع جميع شهواته وأهوائه وملذاته الدنيوية لأجل أن يعبد الله على مدار الساعة، ثقل، قساوة في القلب، ضيق، وخمول، وخذلان.
لا تظن يومًا.. أن ما تقترفه طوال السنة، لن يلحق بك إلى رمضان، ليجعلك هزيلًا.. ضعيفًا.. مخذولًا.. لا تجد طعمًا للطاعة ولا توفيقًا لها.. لا تظن أبدًا.. أن ساعات لهوك وعصيانك، لن تعود عليك بالندامة؛ حين تجد غيرك يتسابق طائعًا قد فاز برضا الله، وأنت مكبّل بخطاياك تتفرج من بعيد.

إن لم تُقبَل في رمضان، فأنت خاسر كل الخسران، إن لم تجعل السنة كلها قالبًا تدخل به إلى رمضان.. فلا تلومنّ نفسك الضعيفة وتأمل حب الطاعة فجأة والالتفات الى الله بقلبك، وأن تذوق روحانية الشعائر.. لن تذوقها ولن تذوق رمضان.