الأحد، 24 أبريل 2022

عقوبة ذنوبك الأليمة التي لم تدركها


كان أعظم درس ثمين ومؤلم.. تعلمته في رمضان.. وارجو من الله أن لا أكون قد تأخرت.
درسٌ كلنا بحاجة إليه دون استثناء.. وإن أنكرت أنفسنا.

سمعتُ كلمة من شيخٍ عالمٍ هزتني.. حين قال: لا تقل؛ إني أذنب والله لم يعاقبني في الدنيا، فإن في مقابل كل ذنب عقوبة، إما الهم -وهذا ما نذوقه كثيرًا هذه الأيام-، وإما -وهذا الأعظم- أن يكون في مقابل الذنب حرمان من طاعة.
لنسأل أنفسنا: كيف دخلنا رمضان؟ كيف وجدنا أنفسنا مع العبادات؟ تثاقل؟ تكاسل؟ اكتفاء بالقليل؟ يردك عن القيام نعاس.. يردك عن قراءة القرآن تعب وهزال.. وأنت ربما تقرأ كتبًا غيره! يردك عن الدعاء كسل، فلا أنت تستطيع الدعاء، وإن دعوت لم تستطع الإطالة.. حالٌ مبكية! كبلتنا ذنوبنا.

طوال العام.. أذنبنا واقترفنا المعاصي بكل الأشكال والألوان.. وحتى في شعبان.. وربما كانت نيتنا "نحلل آخر شهر قبل رمضان فلا أغاني ولا حفلات ولا أفلام ولا لباس عاري!" والعياذ بالله، أصبحت نفوسنا أخطر علينا من الشياطين، نقول الشياطين مكبلة، فمن ذا الذي يوسوس لي أن أفعل كذا؟ من ذا الذي يثقلني عن الطاعة! فتلك تختم الختمات في رمضان، وذلك يصلي ويطيل، وأنا طاقتي محدودة! إنها نفسك الثقيلة التي ابتعدت طوال السنة عن العبادة وعن الله وعن التورع عن المعاصي، فكيف تريدها أن تعينك الآن؟ أصبحت نفسك أخطر عليك من شيطانك، إن كيد الشيطان كان ضعيفًا.. ولكن نفسك -إن لم تروضها- ستكون عليك شديدة.

تأمل؛ لو كان في مقابل كل ذنب حرمان من طاعة، فكم فاتتنا صلاة فجر طوال السنة؟ كم نمنا عن صلاة؟ كم اعتزمنا قيام ليلة وصلاة وتر فظننا أن النوم كبّلنا؟ لكن النوم لم يكبّلنا! بل أثقلتنا ذنوبنا.

الأمر جدُّ خطير، ولا زلنا نذنب.. نعتقد أن الأمر يسير نذنب ونذنب ثم يأتي رمضان لنتوب ونغسل ذنوبنا ثم نستكمل رحلة المعاصي حتى رمضان القادم.. لكننا نُصدم حين يأتي رمضان ونرى أن قلوبنا مغلقة، نصلي من التراويح أربع ركعات ثم نملّ وننتظر إكمال البقية بأسرع وقت! نتلو من القرآن ونحاول الخشوع والتدبر فتتعب ألسنتنا وعقولنا التي لم تتعب يومًا من كثرة الكلام والغيبة وتحليل الأحداث! نقول: الصيام سهل، لكننا لا نستيقظ قبل المغرب إلا ببضع ساعات ونسميه صيام! ألهذا الحد أصبحنا ضعفاء ومساكين؟ رُبّ شيخٍ كبيرٍ في السن معمّرٍ مريضٍ أقوى منا! يعتكف ويصلي التراويح كاملة خلف الإمام وأغلب يومه تلاوة للقرآن ويصوم حتى عن أدويته، أين نحن من كل هذا؟ لما الشيخ أقوى منا؟ لأننا ضعاف نفوس.. وإلا فقوة البدن والعقل موجودة، وإنما نصرفها في غير الطاعة.

أصبح قرب رمضان كالهم على القلب والله المستعان، لأن القلب غير مستعد لقطع جميع شهواته وأهوائه وملذاته الدنيوية لأجل أن يعبد الله على مدار الساعة، ثقل، قساوة في القلب، ضيق، وخمول، وخذلان.
لا تظن يومًا.. أن ما تقترفه طوال السنة، لن يلحق بك إلى رمضان، ليجعلك هزيلًا.. ضعيفًا.. مخذولًا.. لا تجد طعمًا للطاعة ولا توفيقًا لها.. لا تظن أبدًا.. أن ساعات لهوك وعصيانك، لن تعود عليك بالندامة؛ حين تجد غيرك يتسابق طائعًا قد فاز برضا الله، وأنت مكبّل بخطاياك تتفرج من بعيد.

إن لم تُقبَل في رمضان، فأنت خاسر كل الخسران، إن لم تجعل السنة كلها قالبًا تدخل به إلى رمضان.. فلا تلومنّ نفسك الضعيفة وتأمل حب الطاعة فجأة والالتفات الى الله بقلبك، وأن تذوق روحانية الشعائر.. لن تذوقها ولن تذوق رمضان.

سرّ قوتها..


اجتهدَت في العشر الأواخر..

كنت أحيانًا أجلس وأتأمل صلاتها دون أن تشعر، كانت صلاتُها السكينة.. تحرُّكاتها خفيفةٌ رقيقة ليست صلاة سباقٍ ونقر.. كانت حين تنزل للسجود تشعر وكأنها ورقة هابطة من خفّتها، وحين تصل للسلام وتولّي وجهها لليمين ألمح فيها لذةً وانكسارًا وانشراحًا في الوقت ذاته.. شيء لا أستطيع وصفه! ربّما هما الحب والخوف والرجاء، وقد نجحت بدمجهما في قلبها بإعجاز.

لم تحتج إلى دروسٍ تعلمني إياها لِتُحبّبني بالصلاة.. كانت مثلًا عظيمًا عميقًا أمامي.

بدأت أشعر مرةً بعد مرة بأن الصلاة هي قوّتها في الحياة، لم أرها منكسرة إلا في الصلاة وعند الدعاء! أما في أمور الدنيا؟ فهي دومًا ثابتة.

أريد أن أصلي..

هكذا حدّثت نفسي حين حَمِيَ بيَ الحماس والشوق لتقليد صلاتها ولإحساس شعورها..

أحضرتُ طقم سُجادتي ورداء صلاتي ومصحفي المغطى بقماشٍ مُزهّر، أدركت أنني كنت أهتم بـ " الشكليات " أكثر مما أهتم بعبادتي!

فرشت سجادتي بجانبها بهدوء كي لا أشتتها.. كبّرت مطيلةً التكبير ومتعمّقة بالإحساس به، بأن الله أكبر من كل شيء، من حياتي وهمومي وانشغالاتي ومتاعبي.. كبّرت مستندةً برُكن قوي، فشعرت لأول مرة أنني ولجت إلى عالمٍ آخر..

عالم الصلاة.

عاهدت نفسي على أن أكون مثلها.. هي أقرب صديقاتي إلى قلبي وأوثقهُن بيّ صلة.. رأيت سرّ قوتها..

السرّ الذي سأواجه به ما بقي من حياتي.