الأربعاء، 10 يوليو 2019

خالتي.. تحت التراب


كانت فاجعة..
لم أتخيل انني سأُفجع بها يومًا..

منذ ان كنا صغارًا.. وكانت تلعب معنا ( بر بحر )..
لا انسى لحظاتها مطلقا..
اشتقت اليها..

ذهبنا سويا الى المقهى قبل وفاتها بأسبوع..
كانت خالتي مريضة بمرض نفسي..
ان فعلت شيئا غريبا كنا ننظر اليها كشخص مجنون..
نضحك.. او نعلق.. او ( نتفشل ) منها..

اتمنى الان لو كنت أقلدها ان فعلت شيئا مجنونا.. فأفعله معها..
ان رقصت في منتصف الطريق.. ان كررت اغنية بطريقة مضحكة..

اتمنى لو قضيت معها لحظات أطول.. لحظات تترك اثرا سعيدا في حياتها..
اتمنى لو لم اكن كالبقية برأيي فيها.. اتمنى لو كنت محايدة..
لو طرقت باب غرفتها ( الغامضة ) لأجلس معها..
لو وقفت معها رغم ما تفعل.. لو شعرت تجاهها عكس الجميع.. لو اعطيتها من وقتي.. لو حكيت لها ما خشي الجميع ان يحكيه لها.. لو حكيت لها عن حياتي..

كبُرت.. ولم اعد قريبة منها كما كنت في صغري.. كيف نسيت سعادتي التي كانت تُبَثُّ في قلبي بسببها؟ حين كانت تأخذنا معها الى ( كنتاكي ) فيرحب الموظف بنا ويرمي علينا الكثير من الهدايا والالعاب.. بفضلها.. بفضل ذهابها المتكرر.. كانت زبونة مرحبًا بها..

حين كانت تجلس معنا لـندردش.. كانت كثيرة الضحك والمرح.. وكانت سبب ابتسامتنا.. كانت اكبر اسباب سعادتنا في ذلك المنزل..

كيف لم اردها لها.. عندما كبُرْتُ وأصبحَتْ هي بحاجة الي شخص يقف بجانبها ويتفهم شعورها..
كيف كنت قاسية الى هذا الحد مع شخص اهدى الي الكثير في أجمل أيام عمري.. قبل أن تُزهر أوراقي..

أعلم.. بل متأكدة.. انني لم أُؤذها يومًا.. لكنني لم ارد لها الجميل.. وهذا كان بحد ذاته اذى.

عذرًا خالتي نسرين.. كيف لي أن أصل اليك أو اكتب اليك الان؟
فاتني عمرك من الحديث.. حتى ان رقمك لم يسجل في هاتفي يوما.. أعلم ان سعادتك كانت لتكون عظيمة ان رأيت مني رسالة اسال فيها عنك.. أو احدثك عن نفسي.. وأفتح لك قلبي..
لكن شيئا من هذا لم يحدث.. سكونك في قلبي في حياتك كشف عن ضجة غامرة بعد مماتك.. لم أقلها يومًا لكنني اقولها الان بقلبي وبكل صدق.. احبك.

السبت، 27 أبريل 2019

شاي الغروب



شاي الغروب..
أو كما أسمته أمي.. في حديقة منزلنا الخلفية.
أصبحت تلك اللحظات تشكل أساسًا ليومي كما الحبل السري للجنين، ما إن نجلسُ كلتينا على الكرسيين الخشبيين أمام الطاولة الصغيرة.. حتى تتعالى ضحكاتنا على أحداث يومنا التي نرويها لبعضنا.. حتى وإن كانت سيئة.. فإننا نحولها الى كوميديا ساخرة، فبالنهاية.. كل أمر سيهون ما دمنا سويًّا!

اعتادت أمي على وضع ثلاث زهرات صغيرة في كوبَينا.. كما أنها كانت حين تسكب الشاي.. ترفع الابريق الأبيض ذو الزهور البنفسجية والأطراف الذهبية عاليًا.. ليصدر الشاي حين انصبابه صوتًا مغريًا على حد قولها..
وأحيانًا.. تهُبُّ رياحٌ خفيفة.. تدفع بخيط الشاي المنسكب الامع على ثوب احدانا.. فتضحك عليها الأخرى في حين تمسح هي بالمنديل بدورها!.

غالبًا ما كان يطل علينا أحد الجيران من خلف السور الأبيض ملقيًا التحية.. أو كلمة لطيفة تجعلنا نبتسم لبعضنا وقد ملأنا السرور..
وفي بعض الأحيان.. تمر جارتنا العجوز فتقدم لنا كعكاتها الشهية التي تعلوها قطع التوت الطازج ( أو ربما الكرز! ان لم تجد التوت في حديقتها ).. كنت أقفز فرحًا واتحقق من كمية الشاي المتبقي في الابريق - فهو أساسي مع الكعك طبعا! - ثم أجري الى داخل المنزل.. والى المطبخ تحديدا.. فأُحضر لها كرسيًّا وكوبا اضافيًّا.. لتشاركنا وقتنا!.

...

أخبرتي أمي ذات يوم.. ورأسي مُسند على كتفها.. في حين كنا مستلقيتين على سريرها.. أنني أجمل شيء حصل لها في حياتها.. وأنها لن تندم اطلاقًا على زواجها من أبي بالرغم مما حصل.. لأنه كان السبب في وجودي..

اكتفيت بعناقها وبالابتسام وقتها.. وربما قلت لها " أحبك " لأنني لم أجد ما يعبر عن فرحتي بكوني سعادتها!
لكنني وفي هذه اللحظة.. أتمنى أن أعود لأقول لها " وأنتِ كل الحياة بالنسبة إلي.. "

هي لا تعلم أنني لا زلت اشاركها وحدها أحزاني.. كما اعتدنا..
برسالة أدفنها أسفل وسادتها.. ولكن الامر اختلف تمامًا.. لم نعد نضحك عليها سويًّا، بل أصبحت أبكي لوحدي..

كم أفتقدك يا أمي.. ولتعلمي انك لم تموتي وحدك.. فقد ماتت حياتي معك.