لن تتصوّر مدى العمق الهائل لتأثير حواسّك على عقلك وقلبك وبالتالي تصرفاتك وشخصيّتك.
حين أقول "أنت مُلك ما تسمع" فأنا حقًّا أعني ذلك..
نوعية المؤثرات الخارجية تتفاوت في حجم تأثيرها، أتحداك مثلًا إن لم تشاهد في حياتك فيلمًا أثّر فيك تأثيرًا هائلًا.. إما أن يكون قد ألهمك بشدة للعبة مثلًا (كالكاراتيه أو كرة القدم) أو للكتابة أو للسفر حول العالم إلخ.. وإن كنت قارئًا أتحداك إن لم يؤثر فيك كتاب تأثيرًا ملموسًا أو غيّر في معتقداتك وأفكارك وأساليبك! بل وحتى المسموعات، الأغاني تؤثر.. القصص الصوتية والبودكاست وهلمّ جرًّا.. كل ذلك يُحدث تأثيرًا ولو بعد حين.. يتفاوت في القوة؛ لكنه بالنهاية يتمكن منك.
فكرة النسوية الآن مثلًا.. مالذي جعلها متغلغلة في مجتمعنا بالرغم من أنها لم تبدأ هنا ولا هي من طبيعتنا أو معتقداتنا أصلًا؟ كل هذا التأثير الذي يحدث لهذه الفكرة هو بسبب كثرة "المؤثرات الخارجية" من مقاطع وأفلام وصوتيات ومقالات وكتب تزرع هذا الخَبث في العقول والقلوب! كلما شاهدتِ فيلمًا يؤيد هذه القضية توغلت فيكِ أكثر.. ثم تقرأين لـ"نسوية قبيحة" كتابًا أو مقالًا أو تسمعين تسجيلًا صوتيًّا أو أو... فتلاحظين مع مرور الوقت أنك بدأت تتقبلين الفكرة.. ثم والعياذ بالله؛ تؤيدينها وربما تحاربين من أجلها! ولا تلومي أحدًا.. فأنتِ من ألقيتِ بنفسك بهذا الشَّرَك*.
وبالمقابل نأتي لفكرة الإيمان والالتزام والتديّن.. هل تعتقد أو تعتقدين أن إسراف وقتك في متابعة الأفلام والمسلسلات الأجنبية التي تدعو للتحرر وملذات الحياة بلا قيود.. وبالاستماع إلى الموسيقى والأغاني المليئة بالمشاعر المحرّمة والبعد عن الله والعشق الممنوع الخ.. وجلسات السهر المليئة بالسموم والكلام الخاطئ ومخالطة رفاق السوء أو رفاق "الدنيا" الذين لا يهمهم سوى الشيشة والأغاني والورق وحرية إظهار العورات.. أو الإكثار من الخروج إلى الأماكن العامة الجالبة للفتنة بين النساء الكاشفات المائلات المميلات والرجال أصحاب الشهوات القبيحة والنظرات الدنيئة...
هل تعتقد بأن كل هذا.. سيساعدك أصلًا على أن تحب دينك أو تفكّر في زيادة إيمانك؟ أنت تتوغل في جحيم وأنت لا تُدرك.. تظن أن متعتك الحسية ولهوك المؤقت سيجعلك في حرية وسعادة ومشاعر لانهائية من النعيم وسرور القلب.. لكنك بعيدٌ كل البعد.. كل البعد..! عن السعادة.
ومن الطبيعي جدًّا أن تقرأ كلامي هذا وتجده مبالغًا، وربما تقول (الله غفور رحيم) وأنت منغمسٌ في هول صنائعك دون خوف من (الله شديد العقاب)! كل هذا لأنك في الحقيقة متوغّلٌ في المؤثرات التي ذكرتُها دون أن تدرك حجم ما صنعت بك.. ولن تدرك ولن تفهم إلا حين تجرّب أن تغيّر المسار قليلًا.. تتزوّد من قراءة القرآن والسيرة النبوية والكتب الدينية ولو البسيطة، تشاهد محاضرات أو مقاطع دينية أو أفلام لقصص الصالحين، تخالط المتديّنين أو من "يخافون الله" حيث تجدهم في المساجد وفي دور التحفيظ.. جاهد نفسك قليلًا.. كن فضوليًّا لطريق السعادة الحقيقة! حينها ستجد قلبك شيئًا فشيئًا يميل إلى الفطرة.. يتعطّش أكثر للاقتراب.. يبحث بشكلٍ أعمق، وحين يرى الطمأنينة في هذا الطريق يتوقف.. ويبكي! أين أنا عن هذا منذ زمن طويل؟ أين أن عن هذه اللذة الحقيقية.
حين تشعر بأن فطرتك قد تغيرت.. وأنك تسير في طريقٍ لا يريحك.. وأنك تريد الرجوع لكنك لا تستطيع.. تشعر بأن هناك خطبًا ما.. لكنك لا تدري ما هو! حينها راجع نفسك.. ماذا تسمع؟ ماذا تشاهد؟ ماذا تقرأ؟ وابدأ من هنا.
انتبه لما تصبّه في هذه الحواس.. كن منتقيًا بحرص.. لأنك أنت من سيكون مسؤولًا عمّا سيؤول إليه حالك بعدها.
* أي: الفخ.