حقيقة يرغب البعض في عدم تصديقها، والبعض الآخر يجدها حقيقة مريحة.
وبكل الأحوال.. فهذا هو الأمر! لن نصل إلى الكمال.. مطلقًا.
يُحزننا جدًّا أن نجد أنفسنا في مواسم العبادات طائعين مكثرين من الخيرات وصادّين كل الصد عن المنكرات غير راغبين بها ولا بتدنيس أيامنا الفضيلة فيها، ثم بعد هذه المواسم.. تعود ديمة لعادتها القديمة!
لكن الحقيقة.. أن جزءًا من هذا السيناريو طبيعي وليس لنا يدٌ فيه.. بل الله سبحانه يعذرنا فيه! لأن رسول الله ﷺ قال: [وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ، فَيَغْفِرُ لهمْ] رواه مسلم.
إذًا.. هذه طبيعتنا البشرية التي ليست لنا يدٌ فيها.. بل نحن معذورون ومأجورون على المحاولة بعد الخطأ! فإذًا.. مالمشكلة في كل هذا؟
المشكلة أننا لا نتوسط.. فنحن لا نترك بعض الطاعات التي ننهل منها بكثرة في مواسم الخيرات.. بل نتركها كلها دفعة واحدة مع حلول العيد! ولا نثبت على تجنب بعض المعاصي التي هربنا منها في مواسم الخيرات.. بل نعود لها كلها جريًا وكأنما ضيئت إشارة خضراء سمحت لنا بإكمال المسير!
صحيح أننا لن نكون خارقين، ولن نترك الذنوب تمامًا.. ولن نستمر على الطاعات الغزيرة نفسها.. ولكن؛ ألا نستطيع أن نجعل لنا بعض عبادات وإيمانيات تصبح عادة نستمر عليها؟ ثم من موسم إلى موسم.. ستكثر العادات والعبادات التي نستمر عليها تدريجيًّا.. حتى نصبح من المؤمنين المتقين الذين نرجو الله دائمًا أن نكون منهم!
أنت سارعت لختم القرآن الكريم مرة أو مرتين أو ثلاث مرات خلال شهر رمضان.. فلا تقطعه إلى رمضان القادم وكأن ما بينك وبينه محصور على رمضان! صاحب القرآن في حياتك كلها، صفحتين أو ثلاث يوميًّا أفضل من لا شيء.. حذاري أن تهجره.
هل لازمت الدعاء في رمضان أو ذو الحجة وأحببت شعوره وسكينته وما يصاحبه من راحة ورضا في القلب؟ فلماذا ينقطع الدعاء ويقل الأمل بعد هذه المواسم.. هل الله يسمعك في رمضان فقط؟ أو أن الله يستجيب لك في ذو الحجة ولا يستجيب لك في غيره؟ حاشا لله.. مكارمه وأرزاقه وإجابته للدعاء تصحبنا في كل ثانية نتنفس فيها! فلماذا نقطعه؟
الم تجد راحة واطمئنان وانشراحة في الحفاظ على الأذكار؟ فلماذا تهملها وتهمل بركاتها وخيراتها العظيمة عليك وعلى حياتك؟
هل جربت القراءة من حفظك في الصلاة؟ إذًا استمر.. سيوفقك الله حتى تحفظ القرآن كاملًا في قلبك إن التزمت مراجعته في صلواتك!
هل وجدت لذة في قيام الليل؟ إذًا.. واظب عليه لو بالشفع والوتر قبل الفجر.. حين ينزل الله سبحانه الى السماء الدنيا ليعطيك ويمنحك.. ليزيح همك ويرفع قدرك وينير وجهك.. ويحبّك.
صدّقني.. عبادات بسيطة تستمر عليها ستجعل حياتك أجمل.. وأفضل.. وأملأ بتوفيق الله وتيسيره.
وأيضًا في الجانب الآخر.. اختر ذنوبًا لا تعود إليها، مهما كانت قليلة في نظرك، واجعل في نيتك "من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا مما ترك"!
ألم يتنظف لسانك وقلبك من ترك الغيبة؟ ومن السباب والشتم؟ فلماذا تعود لتوسخهما مرة أخرى..؟
ألم تمسك نفسك عن الذهاب إلى أماكن الاختلاط الدنيئة المليئة بالمنكرات لأجل الله في رمضان؟ فاتركها لأجله بعدها أرجوك.. لأنها ستنكت في قلبك نكتًا سوداء تحجب عنك كل خير!
ألم تقطع الأفلام الماجنة والسماع إلى الأغاني ولم ينقطع عنك الأكسجين؟ بل على العكس ارتاحت نفسك وقلبك على هذا الحال.. إذًا استمر بقطعها وقطع شياطينك معها! أو على الأقل قلّل منها إلى أن تصل لمرحلة أن تكرهها نفسك.. وكل هذا سيكون توفيقًا من الله لك إن علم بصدق نيتك.
أنت تستطيع.. حاول، وافشل، واذنب، وتب، واغفل، وعد، واخطئ.. ولكن دائمًا.. دائمًا.. عد مرة أخرى، واجعل قلبك معلقًا بربك.. مهما غوتك الدنيا.
اجعل نيتك في مواسم الطاعات هذه أنك ستستمر لو بالقليل، أنك ستداوم على المحاولة وعلى التقرب من الله سبحانه، ليكون التوفيق ملازمًا لك دائمًا أيضًا.