الاثنين، 9 سبتمبر 2024

لا بأس عليك (رسالة طبطبة)

لا بأس عليك يا صديقي.. لا بأس.

يتغيّر العالم، لا شيء ثابت، هذه سنة الكون!

علي، وعليك، وعلى العالم أجمع..

لسنا سوى كائنات ضعيفة تتقوى بالله لتُجابِه هذا العالم السُّفلي..

لأجل أن تصعد تاليًا إلى الأعلى حيث السعادة الأبدية!

لسنا هنا إلا لنتعايش ونصبر.. ونستمر ونحاول.. ونتصالح مع المتغيرات.. ونسعى لنكون أقوى.. وأفضل.

ليست الحياة مكانًا للرغد، ولا للشعور الثابت المستقر، ولا هي عالمٌ وردي.. ولا أسودٌ أيضًا!

يحرمنا الله -الرحيم العالم بنا- من أشياء.. ليعطينا أشياء تُشبِهنا أكثر..

وربما تكون قسوة الحرمان سبيل إجابة دعواتنا ونحن لا نشعر.

ثق بالله يا صديقي.. لا تحزن من شيءٍ تغير.. فلا أنا، ولا أنت، ولا أيُّ كائنٍ في العالم مهما عَلَت منزلته محصّنٌ من تغيُّر الحال!

قالوا: "دوام الحال من المُحال"..

هذه هي الدنيا.. ونحنُ علينا أن نتقبل ونتعايش.. ونتطلّع للأعلى.

هذه رسالتي لك يا صديقي، لتعلم أنك لست وحدك، وأننا نمرّ بما تمرّ فيه من مشاعر.. وربما أكثر.

وتذكر لتَسعد: نحنُ المسلمون بجسدٍ واحد.. حينما ندعو لأنفسنا ندعو لكلّنا..

سندعو لك يا صديقي.. فأرجوك، لا تحزن 🖤

الثلاثاء، 4 يونيو 2024

معضلة تعدد الأهداف.. وتحقيق اللاشيء!

مرّ عامٌ طويل حتى أدركت هذه الحقيقة، وأشعر الآن أنني مسؤولة عن أن أفيدكم بما توصلت إليه.

تعددت أهدافي.. فرسمتُ ربما أربعة أو خمسة أهداف لهذه السنة، والنتيجة؟ قاربت السنة على الانقضاء.. والصدمة.. أنني لم أنجز أيًّا منها.

فلماذا؟؟

الإجابة التي توصلت إليها بسيطة جدًّا.. ويُعبّر عنها بكلمة واحدة، ألا وهي: (التشتت).

لم أستطع التركيز في أمرٍ واحد، وبالتالي لم أستطع الإنجاز مُطلقًا! لم أربط عقلي ووجداني بشيءٍ واحد، أعطيه اهتمامي ومسؤوليتي ورعايتي، بل تشتت ذهني بين هذا وذاك.. فتراكمت كلها واستحال تحقيقها.

ماذا لو أنني أمسكت بهدفٍ واحد، جعلته نصب عينيّ لشهرٍ إلى ثلاثة أشهر، وسلّمته عقلي وتفكيري ووقتي؟ لأنجزت في عامي الواحد جميع الأهداف المتراكمة! ولكن هذا ليس محلًّا للندم، وإنما لتحقيق الوعي وتصحيح المسار.

وليس هذا مقتصرًا على إنجاز الأهداف فقط، بل وحتى قراءة الكتب! وإكمال الدورات، والبرامج التطويرية أو الدينية المفيدة، الخ... استفتحتُ السنة ولدي حوالي 20 كتابًا بدأت في قرائته، فأخذت أقرا هنا وهنا، وأنسى هذا وأترك هذا ولا يعجبني هذا.. إلى أن وجدت أنني أنهيت -طوال السنة- قراءة 4 كتب فقط! وبالمقابل.. فالكتب التي بدأتها ولم أكملها -أو نسيتها أصلًا- أضعاف هذا العدد.

وزاد شتاتي حين اشتريت جهاز (الكندل) فأصبحت أحمّل عليه عشرات الكتب ولا أقرأ منها إلا النزر اليسير.. أصبح هذا الأمر يرهقني، وأفتقد معه لذة الشغف والاستيقاظ بلهفةٍ ليومي الجديد، والشعور بالشوق والمتعة، فلا كتاب واحدًا أعيش معه وأنتظر لحظات فراغي بلا صبر لأقرأه، ولا برنامجًا أتأثر بمذيعه أو أستفيد منه بالشكل الكامل ويكون قدوة لأيامي تلك، ولا دورة يدق قلبي عندما أجد متّسعًا من الوقت حتى أستمع إليها وبيدي ورقة وقلم جاهزَين مثلي! ولا كتابًا مُعيّنًا -أو رواية- أعتزم تأليفها وانتظر بحماسٍ وقت كتابتي لها مع ارتشاف قهوتي المفضلة، بل أجد آلاف ملفات الوورد التي تنتظر من أناملي وضع اللمسات الأخيرة عليها إو إعطائها حقها؛ ولكنني أجد التشتت يحول بيني وبينها فأتركها كلها.

(تنهيدة طويلة) المهم، ولحسن الحظ! يمككني القول بأنني أخيرًا قد وضعت حدًّا لكل هذه المعوقات، وألزمت نفسي بما أراه مناسبًا لراحة ذهني وزيادة إنتاجي:

1- اختيار (كتاب، أو دورة، أو برنامج) وإتمامه قبل التنقل إلى غيره، وربما بيعه أو التصدق به إذا لم أنوِ إكماله، ولا أجعله في الجوار حتى لا أشعر بثقل إكماله يجثم على صدري.

2- اختيار هدف واحد أعمل عليه بكثافة وشغف، من شهر إلى 3 أشهر -حسب حجم الهدف- والخروج في السنة بـ3 أهداف على الأقل!

3- تحميل كتب محدودة في الكندل -الكتب التي أعتزم قرائتها حقًّا- والتركيز على كتاب واحد حتى إنهائه، أو حذفه إذا لم أعتزم العودة إليه والانتقال لغيره.

4- عدم مراكمة المقاطع والدورات في (المشاهدة لاحقًا) وحضورها كلها دفعة واحدة، بل أعتزم في الشهر أو الأسبوع مثلًا أن أستكمل دورةً واحدة أو برنامجًا معيًّنًا أستفيد منه بقدر ما أستطيع وأطبّق مخرجاته برويّة قبل أن أنتقل إلى غيره.

هذه الطريقة ستجعلني -بإذن الله- أعيش مع كل شيءٍ بكامل شعوري ولهفتي وشغفي، وأعطي كل شيءٍ حقه، وأستفيد منه كامل الإفادة، وفي الوقت ذاته.. أنجز أكثر، وأستمتع أكثر!

والحقيقة أن هذا هو حال القدماء، فلم يكن عصرهم عصر وفرة مثلما نعيش الآن.. بل إذا وقع في يد أحدهم كتابًا تذوقه حقّ تذوقه، واستفاد منه بكل وسيلة، واذا وضع هدفًا نصب عينيه، عاش له ومعه حتى ينجزه، فكانوا في كل النواحي يركزون على شيءٍ واحد؛ ولهذا نجد إنجازاتهم كثيرة، ومخرجاتهم عظيمة، ونحن الآن نستطيع -بإذن الله- أن نفعل مثلهم ونحذو حذوهم، لكننا نحتاج لتحقيق ذلك إلى ضبط النفس، والالتزام بما اعتزمنا، وقبل كل ذلك، التوكل على الله لتحقيق مرادنا.

السبت، 15 أبريل 2023

أنتم مُلك ما تسمعون وما تشاهدون وما تقرأون

لن تتصوّر مدى العمق الهائل لتأثير حواسّك على عقلك وقلبك وبالتالي تصرفاتك وشخصيّتك.

حين أقول "أنت مُلك ما تسمع" فأنا حقًّا أعني ذلك..

نوعية المؤثرات الخارجية تتفاوت في حجم تأثيرها، أتحداك مثلًا إن لم تشاهد في حياتك فيلمًا أثّر فيك تأثيرًا هائلًا.. إما أن يكون قد ألهمك بشدة للعبة مثلًا (كالكاراتيه أو كرة القدم) أو للكتابة أو للسفر حول العالم إلخ.. وإن كنت قارئًا أتحداك إن لم يؤثر فيك كتاب تأثيرًا ملموسًا أو غيّر في معتقداتك وأفكارك وأساليبك! بل وحتى المسموعات، الأغاني تؤثر.. القصص الصوتية والبودكاست وهلمّ جرًّا.. كل ذلك يُحدث تأثيرًا ولو بعد حين.. يتفاوت في القوة؛ لكنه بالنهاية يتمكن منك.

فكرة النسوية الآن مثلًا.. مالذي جعلها متغلغلة في مجتمعنا بالرغم من أنها لم تبدأ هنا ولا هي من طبيعتنا أو معتقداتنا أصلًا؟ كل هذا التأثير الذي يحدث لهذه الفكرة هو بسبب كثرة "المؤثرات الخارجية" من مقاطع وأفلام وصوتيات ومقالات وكتب تزرع هذا الخَبث في العقول والقلوب! كلما شاهدتِ فيلمًا يؤيد هذه القضية توغلت فيكِ أكثر.. ثم تقرأين لـ"نسوية قبيحة" كتابًا أو مقالًا أو تسمعين تسجيلًا صوتيًّا أو أو... فتلاحظين مع مرور الوقت أنك بدأت تتقبلين الفكرة.. ثم والعياذ بالله؛ تؤيدينها وربما تحاربين من أجلها! ولا تلومي أحدًا.. فأنتِ من ألقيتِ بنفسك بهذا الشَّرَك*.

وبالمقابل نأتي لفكرة الإيمان والالتزام والتديّن.. هل تعتقد أو تعتقدين أن إسراف وقتك في متابعة الأفلام والمسلسلات الأجنبية التي تدعو للتحرر وملذات الحياة بلا قيود.. وبالاستماع إلى الموسيقى والأغاني المليئة بالمشاعر المحرّمة والبعد عن الله والعشق الممنوع الخ.. وجلسات السهر المليئة بالسموم والكلام الخاطئ ومخالطة رفاق السوء أو رفاق "الدنيا" الذين لا يهمهم سوى الشيشة والأغاني والورق وحرية إظهار العورات.. أو الإكثار من الخروج إلى الأماكن العامة الجالبة للفتنة بين النساء الكاشفات المائلات المميلات والرجال أصحاب الشهوات القبيحة والنظرات الدنيئة...

هل تعتقد بأن كل هذا.. سيساعدك أصلًا على أن تحب دينك أو تفكّر في زيادة إيمانك؟ أنت تتوغل في جحيم وأنت لا تُدرك.. تظن أن متعتك الحسية ولهوك المؤقت سيجعلك في حرية وسعادة ومشاعر لانهائية من النعيم وسرور القلب.. لكنك بعيدٌ كل البعد.. كل البعد..! عن السعادة.

ومن الطبيعي جدًّا أن تقرأ كلامي هذا وتجده مبالغًا، وربما تقول (الله غفور رحيم) وأنت منغمسٌ في هول صنائعك دون خوف من (الله شديد العقاب)! كل هذا لأنك في الحقيقة متوغّلٌ في المؤثرات التي ذكرتُها دون أن تدرك حجم ما صنعت بك.. ولن تدرك ولن تفهم إلا حين تجرّب أن تغيّر المسار قليلًا.. تتزوّد من قراءة القرآن والسيرة النبوية والكتب الدينية ولو البسيطة، تشاهد محاضرات أو مقاطع دينية أو أفلام لقصص الصالحين، تخالط المتديّنين أو من "يخافون الله" حيث تجدهم في المساجد وفي دور التحفيظ.. جاهد نفسك قليلًا.. كن فضوليًّا لطريق السعادة الحقيقة! حينها ستجد قلبك شيئًا فشيئًا يميل إلى الفطرة.. يتعطّش أكثر للاقتراب.. يبحث بشكلٍ أعمق، وحين يرى الطمأنينة في هذا الطريق يتوقف.. ويبكي! أين أنا عن هذا منذ زمن طويل؟ أين أن عن هذه اللذة الحقيقية.

حين تشعر بأن فطرتك قد تغيرت.. وأنك تسير في طريقٍ لا يريحك.. وأنك تريد الرجوع لكنك لا تستطيع.. تشعر بأن هناك خطبًا ما.. لكنك لا تدري ما هو! حينها راجع نفسك.. ماذا تسمع؟ ماذا تشاهد؟ ماذا تقرأ؟ وابدأ من هنا.

انتبه لما تصبّه في هذه الحواس.. كن منتقيًا بحرص.. لأنك أنت من سيكون مسؤولًا عمّا سيؤول إليه حالك بعدها.


* أي: الفخ.

الاثنين، 10 أبريل 2023

لن نصل إلى الكمال أبدًا


حقيقة يرغب البعض في عدم تصديقها، والبعض الآخر يجدها حقيقة مريحة.

وبكل الأحوال.. فهذا هو الأمر! لن نصل إلى الكمال.. مطلقًا.

يُحزننا جدًّا أن نجد أنفسنا في مواسم العبادات طائعين مكثرين من الخيرات وصادّين كل الصد عن المنكرات غير راغبين بها ولا بتدنيس أيامنا الفضيلة فيها، ثم بعد هذه المواسم.. تعود ديمة لعادتها القديمة!

لكن الحقيقة.. أن جزءًا من هذا السيناريو طبيعي وليس لنا يدٌ فيه.. بل الله سبحانه يعذرنا فيه! لأن رسول الله ﷺ قال: [وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ، فَيَغْفِرُ لهمْ] رواه مسلم.

إذًا.. هذه طبيعتنا البشرية التي ليست لنا يدٌ فيها.. بل نحن معذورون ومأجورون على المحاولة بعد الخطأ! فإذًا.. مالمشكلة في كل هذا؟

المشكلة أننا لا نتوسط.. فنحن لا نترك بعض الطاعات التي ننهل منها بكثرة في مواسم الخيرات.. بل نتركها كلها دفعة واحدة مع حلول العيد! ولا نثبت على تجنب بعض المعاصي التي هربنا منها في مواسم الخيرات.. بل نعود لها كلها جريًا وكأنما ضيئت إشارة خضراء سمحت لنا بإكمال المسير!

صحيح أننا لن نكون خارقين، ولن نترك الذنوب تمامًا.. ولن نستمر على الطاعات الغزيرة نفسها.. ولكن؛ ألا نستطيع أن نجعل لنا بعض عبادات وإيمانيات تصبح عادة نستمر عليها؟ ثم من موسم إلى موسم.. ستكثر العادات والعبادات التي نستمر عليها تدريجيًّا.. حتى نصبح من المؤمنين المتقين الذين نرجو الله دائمًا أن نكون منهم!

أنت سارعت لختم القرآن الكريم مرة أو مرتين أو ثلاث مرات خلال شهر رمضان.. فلا تقطعه إلى رمضان القادم وكأن ما بينك وبينه محصور على رمضان! صاحب القرآن في حياتك كلها، صفحتين أو ثلاث يوميًّا أفضل من لا شيء.. حذاري أن تهجره.

هل لازمت الدعاء في رمضان أو ذو الحجة وأحببت شعوره وسكينته وما يصاحبه من راحة ورضا في القلب؟ فلماذا ينقطع الدعاء ويقل الأمل بعد هذه المواسم.. هل الله يسمعك في رمضان فقط؟ أو أن الله يستجيب لك في ذو الحجة ولا يستجيب لك في غيره؟ حاشا لله.. مكارمه وأرزاقه وإجابته للدعاء تصحبنا في كل ثانية نتنفس فيها! فلماذا نقطعه؟

الم تجد راحة واطمئنان وانشراحة في الحفاظ على الأذكار؟ فلماذا تهملها وتهمل بركاتها وخيراتها العظيمة عليك وعلى حياتك؟

هل جربت القراءة من حفظك في الصلاة؟ إذًا استمر.. سيوفقك الله حتى تحفظ القرآن كاملًا في قلبك إن التزمت مراجعته في صلواتك!

هل وجدت لذة في قيام الليل؟ إذًا.. واظب عليه لو بالشفع والوتر قبل الفجر.. حين ينزل الله سبحانه الى السماء الدنيا ليعطيك ويمنحك.. ليزيح همك ويرفع قدرك وينير وجهك.. ويحبّك.

صدّقني.. عبادات بسيطة تستمر عليها ستجعل حياتك أجمل.. وأفضل.. وأملأ بتوفيق الله وتيسيره.

وأيضًا في الجانب الآخر.. اختر ذنوبًا لا تعود إليها، مهما كانت قليلة في نظرك، واجعل في نيتك "من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا مما ترك"!

ألم يتنظف لسانك وقلبك من ترك الغيبة؟ ومن السباب والشتم؟ فلماذا تعود لتوسخهما مرة أخرى..؟

ألم تمسك نفسك عن الذهاب إلى أماكن الاختلاط الدنيئة المليئة بالمنكرات لأجل الله في رمضان؟ فاتركها لأجله بعدها أرجوك.. لأنها ستنكت في قلبك نكتًا سوداء تحجب عنك كل خير!

ألم تقطع الأفلام الماجنة والسماع إلى الأغاني ولم ينقطع عنك الأكسجين؟ بل على العكس ارتاحت نفسك وقلبك على هذا الحال.. إذًا استمر بقطعها وقطع شياطينك معها! أو على الأقل قلّل منها إلى أن تصل لمرحلة أن تكرهها نفسك.. وكل هذا سيكون توفيقًا من الله لك إن علم بصدق نيتك. 

أنت تستطيع.. حاول، وافشل، واذنب، وتب، واغفل، وعد، واخطئ.. ولكن دائمًا.. دائمًا.. عد مرة أخرى، واجعل قلبك معلقًا بربك.. مهما غوتك الدنيا.

اجعل نيتك في مواسم الطاعات هذه أنك ستستمر لو بالقليل، أنك ستداوم على المحاولة وعلى التقرب من الله سبحانه، ليكون التوفيق ملازمًا لك دائمًا أيضًا.

الثلاثاء، 21 مارس 2023

روحٌ ظمآنة


أول مرة أشعر بأنني بحاجة فعلًا إلى رمضان..

متعطشة للعبادة، للخلوة، للروحانية، للابتعاد عن الدنيا ولو قليلًا!

متعطشة لقطع السُّبل إلى كل خطيئة وكبيرة.. جفافٌ أودى بروحي إلى أن تنزف دم ما جنت على نفسها من جريمة البعد والغفلة.. من جروح الجهالة.. وأشواك الانهماك في الملذات، نُخطئ جهلًا منا بعظمة الله؛ ثم نجد أن لا غير الله يملك شفاءنا من الخطأ.. فنعود مطأطئين رؤوسنا خجلًا وحياءً، نطلب الغفران والشفاء.

أول مره أشعر بأنني لا أريد أن يكون رمضان شهرًا.. بل أريد أن يستمر حتى نمتنع مرغمين عن الالتفات إلى دنيا زائفة! عن الموسيقى والحفلات.. عن التخلع وفسخ الحياء.. عن التسكع في الشوارع والقهقهة.. عن الأفلام التي صارت -90% منها- إباحية! عن القيل والقال واجتماعات "الغيبة"؛ التي ستكون فاجعة لنا.. حين ندخل إلى قبرنا فنجد عذابها ينتظرنا مستعدًّا لنا.

الحياة في الماضي -بالنسبة لهذا الوقت- كانت كلها رمضان، التورع.. قلة الخروج.. الامتناع عن المنكرات في المنزل -فلم يكن هناك الكثير من أجهزة تشغيل الموسيقى والأفلام -أو لم يكن الأب يسمح بها!-.. اجتماع العائلة.. بل والاجتماع على الطعام، تُرى.. هل كانوا يشعرون بفرق (ديني روحاني) كبير عند حلول رمضان؟.

يتملكني ضيقٌ عميق، عميقٌ جدًّا.. حتى أنني لا أقدر على الوصول إليه لأعالجه! فهل سيعود كل شيء كما كان بعد رمضان؟ كلمة لا "الضخمة" التي نضرب بها نفسنا الأمّارة بالسوء في رمضان؛ ألن نستطيع أن نضرب بها الشيطان بعده؟ ألن نملك القوة والحصانة التي امتلكناها في رمضان!

هل هو "شهر" والسلام؟

رباه.. حقيقةٌ مُرّةٌ تجعلني أخشى دخول رمضان قبل أن أُسوّيها.. فكيف سأعبد الله بقلبٍ مخادعٍ يعتزم العودة إلى كل شيء بعد رمضان؟ بل كيف سأخدع نفسي بأنني مؤمنة صالحة في رمضان! هل لباس "الإيمان" خاص برمضان نرتديه في أول ليلة ونخلعه ليلة العيد؟ أريد أن أتوقف.. من كل قلبي وعقلي وجوارحي ونفسي.. أريد ان لا اخلع لباس الإيمان والتقوى والطاعة والتورع والخشية والمحاسبة والصلاح! لا اريد أن أخلعه.. أريد أن أموت فيه.

كل هذه الإرادة.. إلا أن شيئًا واحدًا.. واحدًا فقط، يعادلها كفة، بل هو أثقل منها الآن في الميزان!......... الخوف.

الخوف من فقدان المتعة واللذة.. الخوف من الشوق إلى كل شيءٍ دنيويٍّ حقيرٍ زائف.. الخوف من القاء كل "الملابس الخليعة".. الخوف من موت الإرادة ثانيةً والعودة إلى كل شيء.

خوفٌ مرضيٌّ يقودني ويقودك؛ فيا لضعف إيماننا.

ربّاه، أعود إليك مطأطئة الرأس خجلًا وحياء.. اطلب الغفران.. والشفاء.